محمد متولي الشعراوي
المؤمن لا يطلب الدنيا أبداً .. لماذا؟ .. لأن الحياة الحقيقية للانسان في الآخرة. فيها الحياة الأبدية والنعيم الذي لا يفارقك ولا تفارقه. فالمؤمن لا يطلب مثلاً أن يرزقه الله مالاً كثيراً ولا أن يمتلك عمارة مثلاً .. لأنه يعلم أن كل هذا وقتي وزائلة .. ولكنه يطلب ما ينجيه من النار ويوصله الى الجنة.
إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء لا يعني أنه غير موجود.
قمة الغيب هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى .. والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر .. كل هذه أمور غيبية، وحينما يُخبرنا الله تبارك وتعالى عن ملائكته ونحن لا نراهم .. نقول مادام الله قد أخبرنا بهم فنحن نؤمن بوجودهم .. وإذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر .. فمادام الله قد أخبرنا فنحن نؤمن باليوم الآخر .. لأن الذي أخبرنا به هو الله جل جلاله.
الإنسان حينما يؤمن، لابد أن يأخذ كل قضاياه برؤية إيمانية.. حتى إذا قرأ آية عن الجنة فكأنه يرى أهل الجنة وهم ينعمون .. وإذا قرأ آية عن أهل النار اقشعرّ بدنه .. وكأنه يرى أهل النار وهم يعذبون.
الهدى يتطلب هادياً ومهدياً ، وغاية تريد أن تحققه. فإذا لم يكن هناك غاية أو هدف فلا معنى لوجود الهدى لأنك لا تريد أن تصل إلى شيء .. وبالتالي لا تريد من أحد أن يدلك على طريق .. إذن لا بُد أن نوجد الغاية أولاً ثم نبحث عمن يوصلنا إليها.
الغيب هو ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، والرسل لا يعلمون الغيب .. ولكن الله سبحانه وتعالى يعلّمهم بما يشاء من الغيب ويكون هذا معجزة لهم ولمن اتبعوهم. لا توجد ألفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه اهل الجنة لأنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على القلب.. ولذلك فإن كل ما نقرؤه في القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط.
ان الدين كله بكل طاعاته وكل منهجه قائم على أن هناك حساباً في الآخرة.. وأن هناك يوما نقف فيه جميعاً أمام الله سبحانه وتعالى.. ليحاسب المخطئ ويثيب الطائع.. هذا هو الحكم في كل تصرفاتنا الايمانية.. فلو لم يكن هناك يوم نحاسب فيه.. فلماذا نصلي؟.. ولماذا نصوم؟.. ولماذا نتصدق؟.
القرآن الكريم كتاب يبصرنا بقضية القمة في العقيدة وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، وهو بهذا يخرج الناس من الظلمات الى النور.
إذا أردت أن تحقق سعادة في حياتك، وأن تعيش آمنا مطمئنا.. فخذ الهدف عن الله، وخذ الطريق عن الله. فإن ذلك ينجيك من قلق متغيرات الحياة التي تتغير وتتبدل. والله قد حدد لخلقه ولكل ما في كونه أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته. والذين لا يأخذون هذا الطريق يتعبون أنفسهم ويتعبون مجتمعهم ولا يحققون شيئا. اذن فالهدف يحققه الله لك، والطريق يبينه الله لك.. وما عليك إلا أن تجعل مراداتك في الحياة خاضعة لما يريده الله.
آيات الكتاب الكريم ومنهجه لا تؤخذ بالتمني، ولكن لابد أن يعمل بها، وأن الذين كفروا في تمتعهم بالحياة الدنيا لا يرتفعون فوق مرتبة الأنعام، وأنهم يتعلقون بأمل كاذب في أن النعيم في الدنيا فقط، ولكن الحقيقة غير ذلك وسوف يعلمون.
ترى بإيمانك ما تعجز عينك عن أن تراه .. هذه هي الرؤية الإيمانية، وهي أصدق من رؤية العين.. لأن العين قد تخدع صاحبها ولكن القلب المؤمن لا يخدع صاحبه أبداً. بيّن الحق سبحانه وتعالى أن الذين يلتفتون الى الدنيا وحدها، هم كالأنعام التي تأكل وتشرب، بل ان الانعام افضل منهم، لأن الانعام تقوم بمهمتها في الحياة، بينما هم لا يقومون بمهمة العبادة.
الكتاب نزل ليؤكد لنا، ان الله واحد أحد، لا شريك له، وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة وإنجيل، وغيرها من الكتب ، فالقرآن نزل ليفرق بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة، وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذي ائتمنوا عليها.
هناك ملكات في النفس وهي الحواس الظاهرة .. وهناك ادراكات في النفس.. وهي حواس لايعلمها إلا خالقها. كل خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، يتضمن خطابا لأمته جميعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم كلف بأن يبلغ الكتاب للناس، ونحن مكلفون بأن نتبع المنهج نفسه ونبلغ ما جاء في القرآن للناس حتى يكون الحساب عدلا، وأنهم قد بلغوا منهج الله، ثم كفروا به أو تركوه.
كلما تأملنا في القرآن وفي أسلوبه، وجدنا أنه بحق لا ريب فيه، لأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بآية، فما بالك بالقرآن. فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب، وفوق مدارك البشر، يوضح آيات الكون، وآيات المنهج، وله في كل عصر معجزات.القرآن هو الكتاب الجامع لكل احكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة.
في الايمان هناك ما يمكن فهمه وما لا يمكن فهمه... فتحريم أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر لا ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه، ولكننا نمتنع عنه بإيمان أنه مادام الله قد حرمه فقد أصبح حراماً.
لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها، لأن كلام الله صفة من صفاته، وصفة فيها كمال بلا نهاية.
الضال هو من تاه في الدنيا فأصبح ولياً للشيطان وإبتعد عن طريق الله المستقيم .. أما المُضل فهو من لم يكتف بأنه إبتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى .. بل يحاول أن يأخذ غيره الى الضلالة .. يغري الناس بالكفر وعدم إتباع المنهج والبعد عن طريق الله.
الإستعانة بالله سبحانه وتعالى تخرجك عن ذل الدنيا فأنت حين تستعين بغير الله فإنك تستعين ببشر مهما بلغ نفوذه وقوته فكلها في حدود بشريته.. ولأننا نعيش في عالم أغيار فإن القوى يمكن أن يصبح ضعيفاً .. وصاحب النفوذ يمكن أن يصبح في لحظة واحدة طريداً شريداً لا نفوذ له .. ولو لم يحدث هذا. فقد يموت ذلك الذي تستعين به فلا تجد أحداً يعينك.
مُهِمة هذا الكتاب - القرآن الكريم - هي أن يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك الي نور الايمان، لأن كل كافر مشرك تحيط به ظلمات، يرى الآيات فلا يبصرها، ويعرف أن هناك حسابا وآخرة ولكنه ينكرهما، ولا يرى إلا الحياة الدنيا القصيرة غير المأمونة في كل شيء، في العمر والرزق والمتعة، ولو تطلع الى نور الايمان، لرأى الآخرة وما فيها من نعيم أبدي ولَعَمِلَ من أجلها، ولكن لأنه تحيط به الظلمات لا يرى .. والطريقُ لأن يرى هو هذا الكتاب، لأنه يخرج الناس إذا قرأوه من ظلمات الجهل والكفر الى نور الحقيقة واليقين.
كل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه ... إلا المُضِل فإنه يحمل ذنوبه وذنوب من أضلهم.
منطقة الاختيار في حياتي محددة.. لا أستطيع أن أتحكم في يوم مولدي .. ولا فيمن هو أبي ومن هي أمي .. ولا في شكلي هل أنا طويل أم قصير؟ جميل أم قبيح أو غير ذلك. اذن فمنطقة الاختيار في الحياة هي المنهج أن أفعل أو لا أفعل.
عطاء الله سبحانه وتعالى وحِكمته فوق قدرة فهم البشر، ولو أراد الانسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف – اوائل السور - لوجد فيها كل يوم شيئاً جديداً ، لقد خاض العلماء في البحث كثيراً، وكل عالم أخذ منها على قدر صفائه، ولا يدعي أحد العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه الحروف، بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده. لو لَم يوجد يوم للحساب، لنجا الذي ملأ الدنيا شروراً دون أن يجازى على ما فعل.. ولكان الذي التزم بالتكليف والعبادة وحرم نفسه من متع دنيوية كثيرة إرضاء لله قد شقي في الحياة الدنيا.
لو شاء الله لحقَّقَ لكَ مُرادكَ في طرفة عين، هو لا تَخفى عليهِ دموع رجائك ولا زفرات همِّك، هو لا يُعجِزهُ إصلاح حالك وذاتك، لكنهُ يُحِب السّائلين بإلحاح.
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا
لم يقل بما صلوا أو بما صاموا أو بما تصدقوا، بل بما صبروا ﻷن الصبر عبادة تؤديها وأنت تنزف وجعًا."
― محمد متولي الشعراوي
تعليقات
إرسال تعليق